کد مطلب:370283 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:928

الفصل الأول یکون آخرهم لصوصاً سلابین












الصفحة 266












الصفحة 267


بدایة:


قد أشرنا فیما سبق إلى أن «الخوارج» من بین سائر الفرق كانوا اسرع ما یكون إلى التشعب والتفرق إلى فرق، ومذاهب شتى.. ولذا.. فقد ظهرت لهم فرق كثیرة.. ولكنها سرعان ما اختفت وبادت.


بل إن أكبر فرقهم وأهمها، وهی: الأزارقة والنجدات، والعجاردة، قد بادت واختفت أیضاً كغیرها من الفرق الصغیرة.. ولم یبق منهم إلى عهد ابن حزم سوى فرقتی الإباضیة والصفریة، وكان الغالب على خوارج الأندلس فی زمانه النكار من الإباضیة(1).


وكان الخلاف ینشب بینهم لأتفه الأسباب، فیصیرون لأجلها فرقاً دینیة، یقتل بعضهم بعضاً، ویبرأ بعضهم من بعض، على حد تعبیر ابن شاذان(2).


ویكفی أن یراجع: ـ على سبیل المثال ـ ما فعلته فرقة الحمزیة منهم بـ«الخوارج» من أتباع الفرق الأخرى من القتل والجرائم(3).


____________



(1) الفصل لابن حزم ج4 ص190و191.


(2) الإیضاح ص48.


(3) الفرق بین الفرق ص98و100.













الصفحة 268


كما أنه ولأجل سبب بسیط تافه نجد أصحاب قطری بن الفجاءة یفترقون إلى فرقتین: إحداهما معه، والأخرى مع عبد ربه الصغیر، ثم تنشب معركة فیما بینهم أجلت عن ألفی قتیل(1)..


وقد أدرك المهلب بن أبی صفرة نقطة الضعف هذه فیهم، فكان یهتم فی خلق الأسباب ـ وكثیر منها حقیر وتافه ـ لإلقاء الخلاف فیما بینهم وتمزیقهم(2)؛ ولیواجههم ـ من ثم ـ فی ساحة الحرب، وهم جماعات صغیرة، لا تكاد تقوى على تسجیل نصر حاسم، مهما كانت الظروف والأحوال..


ویكفی أن نذكر هنا: ـ كشاهد على ذلك ـ النص التاریخی الذی یقول: «وكتب المهلب جواب الحجاج: إنی منتظر بهم إحدى ثلاث: موتاً ذریعاً، أو جوعاً مضراً، أو اختلافاً فی أهوائهم»(3).


نعم.. وهذا ما نبه إلیه أمیر المؤمنین (علیه السلام)، حینما قال لهم: «وأنتم معاشر أخفاء الهام، سفهاء الأحلام».. وقد أشار الآخرون إلى هذه الناحیة فیهم حسبما قدمنا، فلا حاجة إلى الإعادة.


«الخوارج»: فورة وخمود:


قال بروكلمان: «كان الخوارج الذین هزموا فی كل مكان تقریباً قد ثبتوا فترة طویلة فی سجستان جنوب شرقی إیران، وهی المقاطعة التی تفصل الیوم بین إیران الحالیة وأفغانستان، ولكنهم كانوا قد انحطوا إلى درك


____________



(1) الكامل للمبرد ج3 ص393 وشرح النهج للمعتزلی ج4 ص204.


(2) راجع: الكامل للمبرد ج3 ص393 و382 وشرح النهج للمعتزلی ج4 ص196 و197 و405 وتاریخ ابن خلدون ج3 ص161.


(3) الكامل للمبرد ج3 ص374 وشرح النهج للمعتزلی ج4 ص190.













الصفحة 269


اللصوصیة والنهب فی ذلك الإقلیم النائی، الذی ترك أمره فی أیام هارون الرشید للحكام الوطنیین، فلم یشدّ إلى الإدارة المركزیة شداً محكماً، ومن هنا اضطر اهل البلاد إلى مقاتلتهم دفاعاً عن النفس إلخ..»(1).


وقد تنبأ أمیر المؤمنین (علیه السلام) بهذا المصیر لهم أیضاً، حینما قال عنهم: «كلما نجم منهم قرن قطع، حتى یكون آخرهم لصوصاً سلابین»(2).


یقول المعتزلی فی شرحه: «وهكذا وقع، وصح إخباره (علیه السلام) أیضاً: سیكون آخرهم لصوصاً سلابین، فإن دعوة الخوارج اضمحلت، ورجالها فنیت، حتى أفضى الأمر إلى أن صار خلفهم قطاع طریق، متظاهرین بالفسوق والفساد فی الأرض»(3).


وقال أیضاً: «.. وقد وقع ذلك؛ فإن الله تعالى سلط على الخوارج بعده الذل الشامل، والسیف القاطع، والأثرة من السلطان، ومازالت حالهم تضمحل، حتى أفناهم الله تعالى، وأفنى جمهورهم إلخ..»(4).


أما ابن میثم البحرانی؛ فیقول: «.. وأما كون آخرهم لصوصاً سلابین؛ فإشارة إلى ما كانوا یفعلونه فی أطراف البلاد؛ بأصبهان، والأهواز، وسواد العراق، یعیثون فیها بنهب أموال الخراج، وقتل من لم یدن بدینهم جهراً، وغیلةً. وذلك بعد ضعفهم وتفرقهم، بوقائع المهلب وغیرها، كما هو مذكور فی مظانه إلخ..»(5).


____________



(1) تاریخ الشعوب الإسلامیة ص216و217.


(2) نهج البلاغة [مطبوع مع شرح محمد عبده] الخطبة رقم 58 والبحار [ط حجریة] ج8 ص572.


(3) شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج5 ص73.


(4) شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج4 ص132.


(5) شرح نهج البلاغة لابن میثم ج2 ص155.













الصفحة 270


ویقول فلهوزن عن خوارج البصرة: «وهؤلاء الخوارج البصریون كانوا یسلكون مسالك اللصوص والسفاحین»(1).


ومما سهل علیهم ذلك: طبیعة تعالیمهم، وعقیدتهم بالنسبة إلى كل من سواهم، حیث دعاهم ذلك إلى اتباع كل أسلوب حتى أسلوب اللصوصیة والسلب بالنسبة إلى غیرهم، ممن لا یتبع مذهبهم، ولا یدین بدینهم.


أضف إلى ذلك: أن جفاءهم وقسوتهم، ومعه جهلهم أیضاً قد سهّل علیهم ارتكاب أمور كهذه، ولاسیما إذا كانت موافقة لأهوائهم ومطامعهم، وملبسةً بلباس الدین، ومبررة على اساس شرعی مزعوم.


ومما زاد الطین بلة والخرق اتساعاً، وأطلق لهم العنان فی هذا الاتجاه، وجعله أمراً مألوفاً، ذلك الرفض الاجتماعی لهم، والتحاشی والحذر منهم، الذی جعلهم معزولین عن الحیاة الاجتماعیة، وعن النشاطات الحیویة فیها، وحرمهم من لذة المشاركة الإنسانیة فی تیارها الزاخر بالعواطف النبیلة، ومدها العارم الحنون.


وأخیراً.. فإن هذه الحال التی أخبر عنها أمیر المؤمنین (علیه السلام) لم تزل قائمة إلى یومنا هذا فإن أتباع الفرقة الإباضیة التی عاشت وانتشرت فی شمالی إفریقیة، وفی عمان، وفی حضرموت، وزنجبار، واستمرت إلى یومنا هذا(2).


«كانوا لا یختلفون إلا من حیث الاسم عن اللصوص الأدنیاء، وكانوا


____________



(1) الخوارج والشیعة ص60/61.


(2) ضحى الإسلام ج3 ص336 وراجع تاریخ الفرق الإسلامیة ص284 عن العقیدة والشریعة لجولد تسیهر 173 وفیه: أنهم یقیمون فی إقلیم جبل نفوسة بطرابلس الغرب، وزنجبار وراجع: الفرق الإسلامیة فی الشمال الأفریقی ص150 وأضاف فیه: جربة وسیوة.













الصفحة 271


یستحقون أن یعاملوا كما یعامل اللصوص»(1).


من عوامل الانحسار:


ولا یخفى أنه قد كان لسرعة تفرق «الخوارج» آثار كبیرة على حیاتهم ومصیرهم.. وقد ساعد على حصول هذه الحالة وتفاقمها فیهم: أنهم كانوا فی كثیر من الأحیان، بل فی أكثرها أخلاطاً من الناس، لا تربطهم إلا رابطة المصالح والأهواء، مع ما یصحب ذلك من بداوة وجهل، وغیر ذلك.


ولعل طبیعة الشعارات التی كانوا یرفعونها كانت تجذب إلیهم أولئك الشباب الأحداث المتحمسین، الذین كانوا من مختلف الفئات، والطبقات والثقافات، ولكن من دون أن یكون لمضمون تلك الشعارات أی تأثیر على سلوكهم الشخصی، شأن المنافقین فی هذه الأیام، فإن الشعارات التی یرفعونها، وما یترتب علیها من إثارات عاطفیة على العناصر التی یستفیدون منها من شأنها أن تولد فی نفوس تلك العناصر أحقاداً على الآخرین، بلا سبب ظاهر، ثم یتصرفون تجاههم برعونه ظاهرة، ویتخذون المواقف القویة والمتطرفة، على أساسها.


وهذا ما یفسر لنا: ما جاء عن أئمتنا (علیهم السلام): من أن الحقد الذی كان یعتمل فی نفوس «الخوارج» كان وراء كل مواقفهم المتطرفة تلك.


هذا.. ویلاحظ: أنهم حین یرتجلون المواقف، لم یكونوا مهتمین بالبحث عن فرصة للأناة وللتروی فی مواقفهم، والتخطیط لها، بل هم یمعنون فی العفویة والارتجال، ولا یروق لهم العمل السری المنظم؛ إذ أنهم كانوا یتجنبون قدر الإمكان العمل بمبدأ التقیة. وكان الأزارقة لا


____________



(1) تاریخ الدولة العربیة ص118.













الصفحة 272


یجیزون التقیة، وخالفهم فی ذلك نجدة الحنفی(1).


كما أن الحدة والقسوة التی امتازت بها عقائدهم، ومواقفهم، كانت هی النتیجة الطبیعیة لما ذكرناه آنفاً، بالإضافة إلى عدم وضوح كثیر من الأمور الدینیة لدیهم، حتى إنهم كانوا غیر قادرین على التمییز بین الإیمان والكفر، وموجباتهما، فاختلطت الأمور علیهم، وعانوا من الشبه الكثیرة، التی كانت تعرض لهم وتمزقهم، إلى شیع وأحزاب..


وكان لطبیعة حیاتهم وظروفهم، وواقعهم الخاص ـ الذی كانوا یعانون منه ـ الأثر بشكل أو بآخر فی جنوحهم إلى التسرع فی إصدار الأحكام الفاصلة والحادة، التی تبیح لهم، حسب فهمهم استباحة الأنفس، والأموال، والأعراض بسرعة.


بل نجد: أن زعماء الأزارقة یتخذ الخلاف بینهم طابعاً عنصریاً، «فقد تكتلت الموالی والأعاجم ضد امیرهم قطری بن الفجاءة، ومن معه من العرب، وأخرجوهم من دیارهم بعد قتال أسفر عن قتل ألفی رجل»(1).


وقد كان لتشتتهم هذا: أثر كبیر فی القضاء على دعوتهم، بالإضافة إلى ما قدمناه من نظرتهم، وتعاملهم مع غیرهم من المسلمین، بسبب قسوة كثیر من تعالیمهم، وتطرف آرائهم وعقائدهم بصورة عامة، فلم یكن لغیرهم خیار سوى خیار الحرب لهم، والسعی للقضاء علیهم وعلى دعوتهم بأی ثمن.


وهكذا.. یتضح: أن تلك الآراء قد ساهمت بشكل فعال فی انحسار دعوتهم عن مراكز النفوذ والحركة، والقوة والازدهار الثقافی فی الدولة الإسلامیة؛ لیعیشوا فی مناطق نائیة، فیها الكثیر من مظاهر


____________



(1) الكامل فی الأدب ج3 ص285.


(2) الكامل للمبرد ج3 ص393.













الصفحة 273


الجهل، والحرمان، والبداوة، وحرمتهم إلى حد كبیر من السیر بخطى واسعة نحو المشاركة فی المد الثقافی، والعلمی، الذی كان یجتاح العالم الإسلامی، ویزداد طغیاناً وقوة باستمرار..


وكذلك حرمتهم من التمتع بملذات الحیاة، وبالطیبات من الرزق. حتى انتهى الأمر بهم إلى أن یكونوا لصوصاً سلابین، حسبما أخبر به أمیر المؤمنین (علیه السلام).


مواقفهم من غیر المسلمین:


لقد كان لموقف «الخوارج» على اختلاف نحلهم من غیر المسلمین تأثیرات هامة على مجریات الأمور بالنسبة إلیهم، ولا تزال هذه التأثیرات باقیة بسبب بقائهم على مواقفهم تلك.


فإن «الخوارج» الذین یقولون بوجوب قتل المسلمین، وبعض كبریات فرقهم، تجیز حتى قتل الأطفال والشیوخ منهم ـ قد وقفوا من غیر المسلمین موقفاً إیجابیاً ومتعاطفاً معهم للغایة..


ویكفی أن نذكر: أن واصل بن عطاء قد استطاع هو ومن معه التخلص من الموت المحتم على أیدیهم، حین ادّعى أنه هو وأصحابه مشركون، یریدون أن یسمعوا كلام الله، وأن علیهم أن یبلغوهم مأمنهم، كما نص علیه القرآن.. فكان له ما أراد وبعد أن أسمعوهم دعوتهم،ساروا معهم بجمعهم حتى أبلغوهم مأمنهم، والقضیة معروفة ومشهورة(1).


____________



(1) راجع على سبیل المثال: شرح النهج للمعتزلی ج 5 ص80و81 وج2 ص281 والكامل فی الأدب ج3 ص164/165 والأذكیاء ص124/125 ونشوار المحاضرة ج2 ص250 وكشف الارتیاب ص118 وراجع: الإباضیة عقیدة ومذهباً ص34 عن تاریخ الإسلام السیاسی ج1 ص389 وفجر الإسلام ص263.













الصفحة 274


وقد جرى مثل ذلك بین بعض النصارى، وبین شبیب الخارجی(1).


كما أن سهم بن غالب الخارجی، كان یأخذ المسلمین؛ فیقتلهم، بینما یخلی سبیل یهود صرحوا له بیهودیتهم(2).


وحین لقی ابن عرباض «الخوارج» وهم یجزون الناس بسیوفهم، قال لهم: هل خرج إلیكم فی الیهود شیء؟ [یوهمهم أنه یهودی].


قالوا: لا.


قال: فامضوا راشدین، فمضوا وتركوه(3).


وهذه التوریة كتوریة مؤمن الطاق؛ حینما لقیه خارجی وبیده سیف، فقال له الخارجی: والله لأقتلنك أو تبرأ من علی (علیه السلام).


فقال له: أنا من علی، ومن عثمان بریء، یرید: أنه من علی (علیه السلام) وبریء من عثمان(4).


وقال الطبری: «وجاء أهل البت إلى شبیب، وكان قد نزل ببیعتهم، فقالوا له: أصلحك الله، أنت ترحم الضعفاء، وأهل الجزیة، ویكلمك من تلی علیه، ویشكون إلیك ما نزل بهم؛ فتنظر لهم، وتكف عنهم. وإن هؤلاء القوم [یعنی العراقیین، أتباع السلطة] جبابرة، لا یكلمون، ولا یقبلون العذر. والله، لئن بلغهم أنك مقیم ببیعتنا لیقتُلُنّا، إن قضی لك ان ترتحل عنا؛ فإن رأیت فانزل جانب القریة، ولا تجعل لهم علینا مقالاً؟


قال: فإنی أفعل ذلك.


____________



(1) تاریخ الأمم والملوك ج5 ص58.


(2) الكامل فی التاریخ ج3 ص418.


(3) العقد الفرید ج2 ص465.


(4) المصدر السابق.













الصفحة 275


ثم خرج، فنزل جانب القریة إلخ..»(1).


كما أن من طریف أخبارهم: «أنهم أصابوا فی طریقهم مسلماً، ونصرانیاً؛ فقتلوا المسلم، لأنه عندهم كافر؛ إذ كان على خلاف معتقدهم. واستوصوا بالنصرانی، وقالوا: احفظوا ذمة نبیكم»(2).


كما أن رجلاً منهم عرض لخنزیر، فقتله؛ فقالوا: هذا فساد فی الأرض فمضى الرجل إلى صاحب الخنزیر فأرضاه.


وحسب نص البلاذری، قالوا له: بم استحللت قتل هذا الخنزیر وهو لرجل معاهد؟!(3).


وساوموا رجلاً نصرانیاً بنخلة: فقال: هی لكم.


فقالوا: ما كنا لنأخذها إلا بثمن.


فقال: ما أعجب هذا؟! أتقتلون مثل عبد الله بن خباب، ولا تقبلون منا جنى نخلة؟!(4) وقال عمر بن عبد العزیز لشوذب الخارجی ورفیقه:


____________



(1) تاریخ الأمم والملوك ج5 ص76.


(2) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ـ ج2 ـ ص280 والكامل للمبرد ج3 ص212 وبهج الصباغة ج7 ص112 عنه وأنساب الأشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص412 و366 و368 وراجع تاریخ الأمم والملوك ج4 ص60 و61 وشذرات الذهب ج1 ص51 والعقد الفرید ج2 ص390.


(3) الإمامة والسیاسة ج1 ص147 وكشف الارتیاب ص118 والبدایة والنهایة ج7 ص288 والكامل فی التاریخ ج3 ص342 والفخری فی الآداب السلطانیة ص94 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص281 وأنساب الأشراف ج2 ص366, وبهج الصباغة ج7 ص 112.


(4) الكامل فی الأدب ج3 ص213 والعقد الفرید ج2 ص390 و391 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص282 والجوهرة فی نسب علی (علیه السلام) وآله ص106 وبهج الصباغة ج7 ص112.













الصفحة 276


«أفلستم تلقون من خلع الأوثان، ورفض الأدیان، وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، تستحلون دمه وماله، ویلعن عندكم. ومن ترك ذلك وأباه: من الیهود والنصارى، وأهل الأدیان، فتحرمون دمه، وماله، ویأمن عندكم؟!»(1).


ویقول البعض: «.. وهم یهرقون دم أعدائهم من المسلمین، وجهادهم لیس موجهاً ضد المشركین، ولكن ضد المسلمین، لأنهم یرونهم أشنع من المشركین، ومن النصارى، والیهود، والمجوس. ومنهم الذین یجعلون أهل الكتاب من الیهود والنصارى على قدم المساواة مع المسلمین إذا اعترفوا بكلمة التوحید، وأن الرسول رسول العرب، ولیس رسولاً لهم»(2).


وقال فلهوزن: «ولم یعد جهادهم ضد الكفار، بل ضد أهل السنة والجماعة من عامة المسلمین، إذ كانوا یرون فی هؤلاء كفاراً بل أشد كفراً من النصارى، والیهود والمجوس، ویحسبون قتال عدوهم هذا الداخلی أهم الفروض»(3).


نتائج وآثار:


وقد كان لهذا الموقف الغریب للخوارج فی المتعاطف مع غیر المسلمین، والحاد والقاسی مع المسلمین أنفسهم نتائج متفاوتة فی ثلاثة اتجاهات:


____________



(1) العقد الفرید ج2 ص403 وقریب منه فی الكامل فی التاریخ ج5 ص47.


(2) نظرة عامة فی تاریخ الفقه الإسلامی ص172.


(3) الخوارج والشیعة ص43.













الصفحة 277


الأول: بالنسبة لعلاقاتهم هم بالمسلمین. فإنها وصلت فی تردیها إلى نقطة اللاعودة، حیث لم یعد بإمكان أی مسلم أن یقترب منهم، أو أن یطمئن إلیهم، ودفع الناس إلى العمل بكل جدیة وتصمیم إلى التخلص منهم.. یقابله تصمیم من قبلهم على إبادة الناس وقتلهم. واندفاع مجنون إلى ذلك دون أن یكون هناك أی حدود أو قیود..


فنتج من بین هذا وذاك حروب ضاریة أهلكت الحرث والنسل. من دون فائدة ظاهرة.


هذا عدا عن تكریس انفصالهم الأبدی عن جماعة أهل الإسلام.


ودفع الناس إلى حروب تحمل فی مضمونها الدفاع عن حكومة الجائرین من بنی أمیة وغیرهم.


الثانی: بالنسبة لعلاقاتهم بالنصارى والیهود، فإنهم قد استفادوا من سیاساتهم هذه تجاههم، مزیداً من التأیید من أهل الكتاب لحركتهم.


وهو ما أشار إلیه فلهوزن حیث قال عن شبیب الخارجی: «.. ویهجم على العدو على غرة منه، وكان فی الغالب على اطلاع على عملیات العدو وتحركاته، لأنه كان على تفاهم تام مع نصارى البلاد، الذین رأوا فیه نصیراً ضد المستبدین بهم، وإذا كان هؤلاء النصارى لم یقفوا إلى جانبه علناً، فقد قدموا له خدمات جلیلة، كلما استطاعوا إلى ذلك سبیلاً»(1).


وكان من نتائج ذلك أن سهّل على أعداء الله، وعلى الدول الاستعماریة على مدى التاریخ إقامة علاقات طبیعیة بل وحمیمة جداً مع البلاد التی یسیطر علیها «الخوارج»، أو من هم على مثل رأیهم، وجعل


____________



(1) الخوارج والشیعة ص99.













الصفحة 278


ذلك مقبولا لدى عامة الناس منهم؛ لأنه منسجم مع نظرتهم الدینیة، أو هكذا صُوِّر أو شُبِّه لهم!!


ونقصد بمن هم على مثل رأیهم خصوص الوهابیین، الذین لهم أوجه شبه كبیرةً مع «الخوارج»، كما سیأتی إن شاء الله فی مقایسة أجریناها بین مبادئ وعقائد وواقع «الخوارج»، وبین الوهابیین.












الصفحة 279